قائمة الأقسام
  • كيف نستدل بالقرآن الكريم على إستحباب التوسل بأهل البيت (عليهم السلام)
  • تاريخ الإضافة:14/03/2017
  • المشاهدات:672
  • تم الاضافة بواسطة:ادارة الموقع

كيف نستدل بالقرآن الكريم على إستحباب التوسل بأهل البيت (عليهم السلام)

كيف نستدل بالقرآن الكريم على إستحباب التوسل بأهل البيت (عليهم السلام)
يُّعد القرآن الكريم المُشرع الرئيسيَّ والأساسي للإمة الإسلامية جمعاء فهو الذي يرسم لهم المسار الصحيح لحياتهم ، فمنذ اللحظة الأولى التي يأتي بها الإنسان إلى دار الدنيا وإلى آخر يوم له فيه فهو الذي يوجهه التوجيه السليم ، ومن هذه التوجيهات التي يحثنا عليها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم هو التمسك بأهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم ) من خلال موالاتهم وزيارتهم في حياتهم وبعد مماتهم أي الإتيان إلى قبورهم المباركة والتوسل إلى الله بهم لأنهم هم الوسيلة إليه وأوضح ذلك من خلال عدة أمور سنوضحها كالآتي :
الأمر الأوّل :من الواجب الحضور عندهم لطلب الحاجة ، سواء في ذلك الحضور عندهم أحياء أو عند قبورهم ، وهذاما أورده الله جلَّ ثناءهُ في محكم كتابه ومنير خطابه وهو أفضل الكلام : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا )(1) فنفس الحضور عند الرسول يؤثّر في استجابة الدعاء ، والسرّ في ذلك إنّ الإنسان يقرب من الله تعالى في مواضع وحالات.
(فالمواضع منها : المساجد ، وكلّ موضع يصلّي فيه المؤمنون وإن لم يكن مسجداً كالمصلّى في دائرة أو فندق ، فالإنسان هناك أقرب إلى الله في غيره فأولى به أن يكون أقرب إذا حضر عند الرسول أو الإمام أو عالم متعبّد يذكّر الإنسان بالله تعالى ، فإنّ القرب والبعد إنّما هو من جانب الإنسان )*، والله تعالى أقرب إلى كلّ إنسان من نفسه ؛ قال تعالى : ( نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )(2) . ونسب الأشياء إليه تعالى واحدة ، وإنّما البعد يحصل للإنسان من جهة معاصيه وتوجهه إلى الدنيا وملاهيها ، فكلّ موضع يشعر فيه بالقرب ويذكّره بالله تعالى يؤمّل فيه استجابة الدعاء ، قال تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ... )(3) . بل هناك مواضع يشعر الإنسان فيها بالقرب من الله وإن لم تكن لها قدسيّة ، ككونه تحت السماء ، ولذلك أمر في بعض الصلوات والأدعية أن يخرج الإنسان بها من تحت السقوف إلى ما تحت السماء والصحراء فإنّ الإنسان يشعر فيها بقربه من الله ، ولذلك أمر في صلاة العيد والاستسقاء أن يصحروا بهما.
وهناك حالات للإنسان تؤثر فيه بشعور القرب ، كالبعد عن زخارف الدنيا ولذلك أمر الحاج بلبس ثوبي الإحرام والتنعل وكشف الرأس ، كلّ ذلك للتأثير في الإنسان ليشعر بالقرب وإلّا فلا شيء يؤثر في الله تعالى. بل الدعاء والصلاة أيضاً للتأثير في الإنسان ، فرحمة الله واسعة شاملة ، وعلى الإنسان أن يصقل مرآة نفسه ليمكنه الاستضاءة من هذا النور الغامر ، والصلاة والدعاء وغيرهما من العبادات تحقّق الأرضيّة الصالحة لاستقبال أنوار الرحمة الإلهيّة. فكذلك التوسّل والحضور لدى الرسول صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام وكلّ من يذكّر الإنسان بالله تعالى يؤثر في ذلك.
ولا فرق في ذلك بين ميّتهم وحيّهم ، وذلك لأنّ المفروض أنّ المراد تأثر الإنسان بقدسيّة المكان وهو حاصل في كلا الموردين ، مع أنّهم لا يقصرون مقاماً عند الله من الشهداء في سبيله ، وقد قال تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )(4) بل حياة النبي صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام أقوى وأعظم.
بل يظهر من بعض النصوص إنّ الإنسان أقوى حياة بعد موته حتّى الكفّار ، ففي الحديث : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وقف على شفير قليب بدر وخاطب الكفّار المقتولين بما معناه : « قد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً ، فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقاً ؟ » ، أو غير ذلك. فتعجّب أصحابه وقالوا : إنّ هؤلاء أموات فكيف تخاطبهم يا رسول الله ؟ ، أو كما قالوا. فقال لهم الرسول صلّى الله عليه وآله : « لستم باسمع منهم ولكنّهم لا يقدرون على الجواب ».
ويلحق بهذ الأمر ـ أي الحضور عند النبي والولي ـ التوسل بأسمائهم وأرواحهم وإن لم يحضر عندهم ، وذلك بأن يدعو الله تعالى ويطلب منه حاجته مع الاستشفاع بذكر الرسول أو الإمام ، وهذا أيضاً يؤثر في الإنسان من جهة أنّه يرى نفسه تابعاً لهؤلاء ، مهتدياً بهداهم ، سالكاً سبيلهم ، محبّاً لهم ، وليس هذا الحبّ والولاء إلّا المتابعة ، لأنّهم أولياء الله وأصفيائه ، وبذلك يوجب القرب من الله تعالى ويدخل في قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )(5) . والإمام هو من جعله الله تعالى مثلاً للناس يقتدون به ، فإنّه للطفه بعباده لم يكتف بإرسال الشريعة والكتب بل جعل للناس من أنفسهم مثُلا يستنّون بسنّتهم ويحتذون بسيرتهم ، قال تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا )(6) . ويوم القيامة تحاسب أعمال الناس بالقياس إلى أئمّتهم ، قال تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ... )(7). وعلى ذلك فلا استغراب أن يكون في ذكر الإمام والتوسّل به تقرّباً إلى الله تعالى ، فهو كما يذكّر الإنسان بربّه عملاً وقولاً وشمائلاً ، كذلك يذكّره بربّه إذا تذكّره ، وتذكّر أفعاله وتعبّده لله تعالى.
الأمر الثاني : أن يطلب من النبي أو الولي أن يدعو الله تعالى ليقضي حاجته ، وهذا هو الصحيح في العقيدة وأيضاً ورد ذكره في الآية السابقة ، إذ قال تعالى : ( وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ ... ) (8) بل هذا ممّا لا شك ولا خلاف في جوازه وتاثيره حتى بالنسبة لغير النبي والإمام من عامّة المؤمنين ، وقد وردت بذلك أحاديث كثيرة في كتب العامّة والخاصّة.
وممّا يلفت النظر في هذا الأمرأنّ الله تعالى خلق ملائكة يدعونه تعالى ويستغفرون للمؤمنين ، قال سبحانه : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ... )(9) وغير ذلك من الآيات والروايات.
الوجه الثالث : أن لا يطلب الحاجة من نفس النبي أو الإمام ، وهذا هو الذي يقال أنّه شرك بالله العظيم ولا شك أنّه لو اعتقد الإنسان أنّ النبي أو الإمام أو أيّ أحد أو شيء في العالم يستقلّ في التأثير فيؤثر شيئاً من دون أن يأذن الله تعالى ، فهو نحو من الشرك وإن كان خفيّاً ، والموحّد يعتقد بأنّ الله هو المؤثر في العالم ، وإن كلّ شيء يحدث فإنّما هو بإذنه تعالى إلّا أنّ هذا لا يختلف بالنسبة إلى العلل والأسباب الغيبيّة والعلل والأسباب الطبيعيّة ، فلو اعتقد أحد أنّ الطبيب يستقلّ في المعالجة والشفاء فقد اشرك ، بل الشفاء من الله تعالى ، بل الصحيح أنّ العمل الطبيعي الذي يقوم به الطبيب أو من يباشر العلاج أو أيّ عمل آخر فإنّما هو بإذن الله تعالى مع أنّ مراجعة الطبيب وغيره لا يعدّ شركاً ولا فسقاً.
وربّما يقال ـ كما في تفسير المنار لمحمّد رشيد رضا وغيره ـ بأنّ : هناك فرقاً بين التوسّل بالعلل الطبيعيّة والتوسّل بالعلل الغيبيّة ، والثاني يعدّ شركاً دون الأوّل ، ويستدلّ على ذلك بأنّ الله تعالى اعتبر المتوسّلين بالملائكة وغيرهم مشركين ، والمشركون ما كانوا يعتقدون أنّهم يؤثرون بالاستقلال ، فليس ذلك إلّا للاعتقاد بتأثيرهم الغيبي.
والجواب إنّ هذا الفرق تحكّم واضح ، إذ لا شكّ إنّ الإعتقاد بالتأثير المستقلّ لغير الله تعالى شرك ، وإن كان طبيعيّاً.
فالصحيح إنّ المشركين كانوا يعتقدون بنوع من الاستقلال للملائكة وغيرهم من العوامل الغيبيّة ، كما أنّه ربما يحصل هذا الاعتقاد لبعض المسلمين بالنسبة لبعض الأنبياء أو الأئمّة أو الأولياء ، ولا شكّ إنّ هذا نوع من الشرك يجب تطهير القلب منه.
ونحن نعتقد إنّ الله تعالى أذِن لبعض عباده الصالحين أن يعملوا أعمالاً لا يقدر عليها البشر العادي ولكن كل تاثيرهم بإذن الله تعالى ولا فرق بين هذا التأثير الغيبي وتأثير الصدقة ، مثلاً في دفع البلاء فهو أيضاً تأثير غيبي فقد جعل الله فيها هذا التأثير ، ولكنه لا يحدث إلّا بإذنه تعالى كسائر العلل والأسباب الطبيعيّة وغير الطبيعيّة.
وقد أخبر الله سبحانه في كتابه العزيز إنّ عيسى عليها السلام كان يحيى الموتى ويبرئ الأكْمَه والأبرص كلّ ذلك بإذنه تعالى ، ومن اللطيف إنّ الآية الكريمة تصرّح بأنّ كلّ عمله بإذنه تعالى حتّى ما كان طبيعيّاً ، إذ قال : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ... ) (10)
ولا شكّ إنّ صنع الطين كهيئة الطير عمل عادي طبيعي ، والنفخ فيه ، وجعله طيراً حيّاً عمل غير طبيعي ، وكل ذلك بإذنه تعالى. فإذا توسّل أحد بعيسى عليه السلام حال حياته وطلب منه شفاء مريضه لم يكن ذلك شركاً بالله سبحانه كما هو واضح ، وإذا كان كذلك فسيّد الأنبياء والمرسلين وعترته الطاهرين أولى بذلك ، ولا فرق بين حيّهم وميّتهم كما مرّ ذكره.
نعم إنّما يصحّ التوسّل إذا صحّ الإعتقاد بأنّ الله تعالى فوّض إليهم بعض الأمر وهذا ما نعتقده للروايات القطعيّة المتواترة أو للتجربة ، ولو فرضنا جدلاً عدم صحّة هذا الإعتقاد فهذا لا يبرّر تهمة الشرك وإنّما يكون كمراجعة طبيب لا علم له ، ونحن على ثقة وبصيرة من أنّهم عليهم السلام أبواب رحمته تعالى ، وقد قال في كتابه العزيز : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )(11)
وقد صحّ عنه صلّى الله عليه وآله : « مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ». اللهم أرزقنا في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين .
الأمانة الخاصة لمزار العلوية الطاهرة لشريفة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليهما السلام)
الكاتب : عباس محسن الخفاجيَّ
قسم الإعلام
11/3/2017
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء : 64 .
(2) ق : 16 .
* الأدلة الشرعية على توسل أهل البيت (ع) السيد مرتضى المهري.
(3) النور : 36 ـ 37.
(4) آل عمران : 169.
* الأدلة الشرعية على توسل أهل البيت (ع) السيد مرتضى المهري.
(5) المائدة : 35.
(6) الأنبياء : 73 .
(7) الإسراء : 71 .
(8) النساء : 64.
(9) غافر : 7.
(10) المائدة : 110.
(11) الأنبياء : 1077.


التالي السابق