دلالة الغيث و المطر في القرآن الكريم
امتاز التعبير القرآني بأبداعٍ في توظيف الألفاظ داخل النص ، مما يعطيها صوراً بلاغية معبرة ودلالات مختلفة تكون وفق ما يقتضيه جوّ السورة المباركة ، ومن هذه الألفاظ ( الغيث والمطر) ، وقد أجمع المفسرون على أن هناك فرقاً بين لفظة المطر ولفظة الغيث من حيث المعنى ، فأحداهما لها دلالة تختلف عن دلالة الأخرى من حيث المعنى الدقيق وإن كان المعنى العام يجمعهما، إذ إن المعجميين فسروا الواحدة منهما بمعنى الأخرى ، قال الجوهري : " الغيث معناه المطر " (1) ، لكنه أشار إلى الفرق بينهما إذ أورد نصًا لذي الرمّة : " قاتل الله أمة بني فلان ما أفصحها ، قلت لها : كيف كان المطر عندكم ؟ فقالت غِثنا ما شئنا " . وهذا يدلنا على أن العرب أو بني فلان الذين سماهم ذو الرمة بذلك ببني فلان يدل على فصاحتهم ، ذلك أنهم ميزوا بين المطر والغيث لذلك قالوا (غثنا) والدليل على أن الغيث من الإغاثة والمنفعة قول الجوهري : " وربما سميّ السحاب والنبات بذلك") (2) . فالسحاب والنبات كله لمنفعة الإنسان واغاثته ، وقد وردت في القرآن الكريم لفظة الغيث في ستة مواضع أربعة منها مكية واثنين منها مدنية. فالأربعة - وردت كلمة " الغيث " في القرآن (اسماً معرفة) في موضعين، في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ) (3) وفي قوله تعالى :( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)(4) ، قال الزمخشري في معنى الغيث : " كأنهُ قال يُنزلُ الرحمة التي هي الغيث" (5) .
ووردت (اسماً نكرة) في موضع واحد في قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ )(6)
"وجاءت حروف الكلمة في شكل فعل دال على طلب الغوث والنصرة"(7) في ثلاثة مواضع:
في قوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ)(8) ، وفي : (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ )(9) ،وفي : (وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)(10)
ومن خلال الاستدلال بهذه الآيات المباركة نجد أن القرآن الكريم استعمل الحروف الثلاثة (غيث) فيما يدل على النفع والرحمة، أو الدلالة على طلب النفع أو الاستنجاد والنصرة.
أمَا لفظة ( المطر ) فقد أتفق جميع المفسرين على أنها تكون بموضع الانتقام والعذاب الإلهي ، ووردت في تسعة مواضع في القرآن، سبعة منها مكية، واثنتان في سور مدنية.
جاءت بموضع (الاسم) في قوله تعالى: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً )(11)، وفي : (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(12) ، وفي ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ )(13)، وفي : (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ )(14) .
ووردت( فعلاً ماضياً) مبنيا للمعلوم في خمسة مواضع ومبنيا للمفعول في موضع واحد قوله تعالى:(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)(15) ،قال الطباطبائي في تفسيره لهذه الآية المباركة : " ذكر الأمطار في مورد ترقب ذكر العذاب يدل على أن العذاب كان به وقد نكّر المطر للدلالة على غرابة أمره وغزارة أثره"(16) . وفي :( فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ )(17) ، قال الطبرسيّ : ( ثم أمطر على من كان غائباً منهم عن القرية الحجارة من السماء (18)، وفي: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ)(19) ، وفي : (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً)(20) ،وفي (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ)(21) . ووردت (فعل أمر) في سياق التحدي والعناد من الكافرين في موضع واحد في قوله تعالى :( وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ)(22) .
إذا تفحصنا الآيات السابقة يظهر لنا بجلاء أن كل لفظةٍ استعملت في مكانها المناسب في فقد استعملها للدلالة على نزول العذاب الالهي، ولعل استعمال القرآن لكلمتي (الغيث والمطر) بهذه الصور كان استعمالاً في غاية الدقة للفرق بين دلالة الغيث التي هي النفع والرحمة، ودلالة المطر التي هي الأذى والضرر والعذاب . ونحن في هذا العصر بأمس الحاجة إلى الغيث الإلهي وهو ظهور مولانا صاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عليه السلام) من آل محمد لينشر العدل والمساواة بين جميع الناس .
الكاتب عباس محسن الخفاجي
موقع الأمانة الخاصة لمزار العلوية شريفة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليهما السلام)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ــ الصحاح :839 .
2 ــ المصدر نفسه
3 ــ سورة لقمان :34.
4 ــ سورة الشورى :28.
5 ــ تفسيرالكشاف /ج4/ص218.
6 ـــ سورة الحديد :20.
7ــ موقع الأحساء .
8ــ سورة الأنفال: 9 .
9ــ سورة الكهف: 29.
10ــ سورة الأحقاف:17 .
11ــ سورةالنساء :102 .
12ــ سورة الأحقاف :24.
13ــ سورة الشعراء: 173 .
14ـ سورة النمل: 58.
15ـ سورة الأعراف: 84 .
16ــ الميزان : ج8، ص189.
17ــ سورة هود: 82 .
18ــ مجمع البيان : ج7ــــ8 ، ص189.
19ــ سورة الحجر: 74.
20ــ سورة الفرقان :40.
21ـ سورة الشعراء :173 .
22ـ سورة الأنفال: 32 مدنية