كيف يتحقق الوعد الإلهي بظهور الإمام المهديَّ (عج)
أَكَدَ الله تبارك تعالى في كتابه الكريم في مواضع عديدة على ضرورة تحقق الوعد الإلهيَّ وكيفية حصوله ، إذ لا بد من تتحقق الأطروحة السماوية المقدسة التي تنشر العدل والمساواة بين الناس ورفع الظلم والحيف عن كاهل العباد ، فقد أكد ذلك بقوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )(1) فقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة : (إن الآية تتكلم في ظاهرها حول وعد الله تعالى للمستضعفين عموماً بأنه سَيمنّ عليهم بالنصر ووراثة الارض -وهذا حسب سياق الآيات التي قبل وبعد هذه الآية- تنطبق على بني اسرائيل حين ورثهم الله تعالى ديار الفراعنة؟ ولربما سائل يسأل كيف تستدلون بها على ظهور إمامٍ في آخر الزمان وعبرتم به بالمستضعف ؟
,وجواب ذلك : في البداية لابد أن نعرف امراً مهماً يسري في كثير من آيات القرآن الكريم التي ذكرت عنواناً خاصاً، وهو انه يمكن ان يؤخذ بعموم العنوان وان ذكرت الروايات الشريفة بعض المصاديق لذلك العنوان من باب ان هذا المصداق او ذاك هو من ابرز مصاديق ذلك العنوان.
وفي هذه الآية يجري هذا الكلام ولكن رغم هذا فان الروايات الشريفة تذكر مصاديق اخرى بارزة لعنوان المستضعفين مع اضافة ان بعض هذه الراويات تذكر ان سنّة الله تعالى لهؤلاء المستضعفين ستكون زمن ظهور الامام المهدي (عليه السلام).(2)
وأيضًا ورد في الروايات الصحيحة والمعتبرة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عندما سُئل عن المستضعفين في هذه الآية فقال: (هم آل محمد، يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل عدوهم(.(3)
وفي رواية عن الامام الباقر "عليه السلام " ( أنهُ نظر الى الإمام الصادق "عليه السلام " وطبّق عليه هذه الآية وقال: هذا من الذين قال الله عز وجل ثم تلا الآية الكريمة )(4)
وكذلك جاء في آيات أخرى تؤكد حصول الوعد الإلهي بظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف )
قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (5).
حيث جاء في تفسير التبيان للشيخ الطبرسي "رحمه الله تعالى" في تفسير الآية: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} قال أبو جعفر "عليه السلام" : هم أصحاب المهدي "عليه السلام" في آخر الزمان.
ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن الرسول المصطفى " صلى الله عليه وآله وسلم" أنه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، كما قد ملئت ظلماً وجوراً).6)
ثانياًَ:- قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (7)
وروى الشيخ الصدوق: عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر بالله العظيم، ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى لو كان هناك كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله (8).
ثالثاًَ:- قوله تعالى: {وَعَدَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (9)
روى فرات الكوفي: عن السدي، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} إلى آخر الآية، قال: نزلت في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم (10).
فنصل من خلال ما تقدم إن الوعد الإلهي يتحقق بظهور الإمام الثاني عشر من أئمة الهدى الميامين الأمام محمد بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء فهو الذي ينشر العدل والمساواة بين جميع العباد ويظهر الله به دينه ولو كره الكافرون .
ونحن شيعته ندعو له بالدعاء المشهور المسمى بدعاء الفرج :
(اَللّـهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً .. برحمتك يا أرحم الراحمين )
الأمانة الخاصة لمزار العلوية الطاهرة شريفة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليهما السلام )
الكاتب : عباس محسن الخفاجيَّ
قسم الإعلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القصص : 5
(2) تفسير نو الثقلين ج4 /ص215.
(3) غيبة الطوسي: 113.
(4) غيبة النعماني : 120.
(5) سورة الأنبياء، الآية: ٥
(6) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ٧/ ١٢٠.
(7) سورة التوبة، الآية: ٣٣
(8) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ٦٧٠ ح١٦، تفسير فرات الكوفي: ٤٨١ – ٤٨٢ ح3.
(9) سورة النور، الآية: ٥٥.
(10) تفسير فرات الكوفي: ٢٨٨ – ٢٨٩ ح٣ وح٦.