قائمة الأقسام
  • تفسير آية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی‌ ما فَعَلْ
  • تاريخ الإضافة:20/12/2023
  • المشاهدات:976
  • تم الاضافة بواسطة:زيد العبيدي

تفسير آية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی‌ ما فَعَلْ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلی‌ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦)

سبب النزول

 

إشارات:

‏- ورد في عدد من الروايات، في كتب السنّة والشيعة، أنّ هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة الذي كلفه النبيّ (ص) بالذهاب لجمع الزكاة من قبيلة بني المصطلق، وكانت بينه وبينهم خصومة في الجاهلية، فعندما وصل إليهم خرجوا لاستقباله فظنّ أنهم يريدون به شرّاً، فقفل راجعاً وأخبر النبيّ بما حصل معه علی أساس الظنّ، فنزلت الآية في النهي عن الأخذ بخبر الفاسق، والدعوة إلی التثبّت قبل ترتيب الآثار علی أخباره.

 

‏- من الواضح أنّ فسق الوليد بن عقبة لم يكن معلوماً، وإلا لما عزم النبيّ علی قتال بني المصطلق بناء علی خبره، ولما أرسله من الأوّل لجباية الزكاة، وقد علم فسقه بعد نزول الآية.

 

‏- عن الحسين (ع) في حديث طويل يقول فيه: "وما أنت يا وليد بن عقبة، فو الله ما ألومنّك أن تبغض عليّاً (ع) وقد جلدك في الخمس ثمانين جلدة، وقتل أباك صبراً بيده يوم بدر، أم كيف لا تسبّه وقد سماه الله مؤمناً في عشر آيات من القرآن وسمّاك فاسقاً" وتلا الآية.١

هل مقصود بالتبين التجسس؟

 

‏- سؤال: كيف يمكن التوفيق بين الأمر بالتبيّن والتثبّت في هذه الآية، وبين النهي عن التجسّس في الآية الثانية عشرة من السورة نفسها؟

 

الجواب: التجسّس حرام عندما يكون في الأمور الشخصية التي لا علاقة لها بالحياة الاجتماعية للناس. وأما في مثل الحالة المذكورة في هذه الآية وعندما يترتب علی خبر الفاسق آثار لها صلة بالحياة الاجتماعية، فالأمر مختلف تماماً، فلا نتجسّس لنهتك ستر أحد، بل يدعونا الله إلی التثبّت والتبيّن كي لا نريق دم أحد هدراً. وبين الحالتين فرق شاسع.

مسألة توضيح المقصود بالفاسق

 

ما هو الفسق؟ ومن هو الفاسق؟

‏- الفسق في اللغة الخروج، ويقال فسقت النواة من التمرة أي خرجت منها. وفي الاصطلاح القرآني هو الخروج عن الصراط المستقيم الذي لا بد من لزومه في كل تفاصيل الحياة الفردية والاجتماعية. وبالتالي الفسق هو المعنی المقابل للعدالة، والفاسق هو الذي يرتكب الكبيرة ولا يتوب منها.

 

‏- وردت كلمة الفسق ومشتقاتها أربعاً وخمسين مرّة في القرآن الكريم، واستعملت في موضوعات ومصاديق عدّة، منها:

 

١- في وصف انحراف فرعون وقومه: «إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ»٢.

 

٢- في وصف المنافقين وذوي الوجوه المتعددة: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»٣.

 

٣- في وصف الذين يؤذون الأنبياء، ويتمرّدون علی أوامرهم: «قَالُواْ يَا مُوسَی إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا... الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ»٤.

 

٤- في وصف الذين لا يحكمون بما أنزل الله: «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»٥.

 

٥- في حالة أهل الحيلة والمكر: «...بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ»٦.

 

٦- في وصف الذين يتركون واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ...بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ»٧.

 

٧- في وصف الذين يرجّحون البقاء في البيوت، والتجارة، والأسرة والأقارب، والأمور الماديّة علی الجهاد في سبيل الله: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُم...أَحَبَّ... بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ»٨.

 

٨- في حالة التعبير عن الانحرافات الجنسية والسير وراء الشهوات والوقوع في أسرها (فقد أطلق الله لقب الفاسقين علی قوم لوط لارتكابهم الموبقات الجنسية علناً دون أن ينكر أحد منهم علی الآخر فعلته): «رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ»٩.

 

٩- في وصف الأكل من الأطعمة المحرّمة: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ... ذَلِكُمْ فِسْقٌ»١٠.

 

١٠- في وصف الذين يتّهمون النساء الشريفات في شرفّهن ويفترون عليهنّ: «يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ...وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»١١.

 

التبيّن، دواء أدواء المجتمع:

‏- لقد كان الأنبياء عبر التاريخ يواجهون مجتمعات مبتلاه بأنواع من الأمراض الاجتماعية والأخلاقية، ورغم مرور الزمان وتطور الحياة الإنسانية، ما زالت بعض هذه الأمراض موجودة ومصدر معاناة للبشرية، ومن هذه الأمراض:

 

‏- التقليد الأعمى للآباء والأجداد، واتّباعهم في تقاليدهم وعاداتهم مهما كانت من دون إعادة نظر فيها.

 

‏- السير وراء الخيالات والشائعات، والتنبّؤات والأحلام الواهية.

 

‏- الحكم وبناء المواقف علی غير معرفة أو بصيرة.

 

‏- الانتقاد دون علم، والقول والكتابة بعيداً عن المعرفة.

 

والعلاج الناجع لهذه الأمراض وكثير مما يشابهها، هو التبيّن والفحص قبل الإقدام علی أيّ موقف أو سلوك. وهو ما ورد في هذه الآية الشريفة.

 

‏- وقد ورد في القرآن الكريم ما يشبه هذه الآية من بعض الجهات وهو قوله تعالی، في سورة النساء الآية ٩٤: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَی إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا». وقد ورد في سبب نزول هذه الآية أنّ النبيّ (ص) بعث أسامة بن زيد علی رأس سريّة إلی بني ضمرة، فلقوا رجلاً منهم يدعی مرداس بن نهيك معه غنيمة له وجمل أحمر، فلما رآهم أوی إلی كهف جبل وأتبعه أسامة، فلما بلغ مرداس الكهف وضع فيه غنمه ثم أقبل إليهم، فقال: السلام عليكم أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، فشدّ عليه أسامة فقلته من أجل جمله وغنيمته، وكان النبيّ (ص) إذا بعث أسامة أحبّ أن يثني عليه خيراً ويسأل عنه أصحابه، فلما رجعوا لم يسألهم عنه فجعل القوم يحدثون النبيّ (ص)، ويخبرونه بما جری، فلما أكثروا رفع رأسه إلی أسامة فقال: كيف أنت ولا إله إلا الله؟ فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوّذاً تعوّذ بها، فقال له رسول الله (ص): هلا شققت عن قلبه فنظر إليه، فأنزل الله الآية....١٢

 

الخبر في الإسلام:

‏- في الإسلام توصيات عديدة تتعلّق بنقل الأخبار، ومن ذلك:

 

أ) يلوم القرآن الذين يأخذون بالأخبار دون التأمل فيها، ويدعو إلی تحليلها وفهمها، أو عرضها علی أهل الخبرة والمعرفة قبل البناء عليها: «وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَی الرَّسُولِ وَإِلَی أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً»١٣.

 

ب) وضعت الشريعة الإسلامية عقاباً محدّداً للذين ينشرون الأخبار الكاذبة التي تثير البلبلة في المجتمع: «لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا»١٤.

 

ج) ورد في الرواية عن رسول الله (ص)، أنه قال في حجّة الوداع: "قد كثرت عليّ الكذابة وستكثر؛ فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه علی كتاب الله وسنّتي، فما وافق كتاب الله وسنّتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنّتي فلا تأخذوا به...".١٥

 

د) عن الإمام الصادق (ع): "لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنّة، أو تجدون شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالی وسنّة نبيّنا محمد (ص)، فإنا إذا حدّثنا قلنا: قال الله عزّ وجلّ، وقال رسول الله (ص)".١٦

 

هـ) وعن الإمام الرضا (ع): "فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنا إذا تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة".١٧

 

و) في التراث الإسلامي علم مهمّ تترتّب عليه آثار مهمة في الاستنباط الفقهي وغيره، اسمه "علم الرجال"، وهو العلم الذي يبحث فيه عن كل من ينقل الحديث والرواية عن النبيّ (ص)، أو عن الأئمة، لتمييز الثقة ومن يصح الاعتماد علی روايته، ممن ليس بثقة ولا يجوز الاعتماد علی قوله.

 

مسألة استماع للفاسق

 

التعاليم:

١- علی المؤمن أن يتحلّی بروحية التدقيق وعمق التفكير، ولا ينبغي أن يكون سطحياً يقبل ما يعرض عليه دون تفكير أو تدبّر: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...فَتَبَيَّنُوا».

 

٢- لم يكن جميع أصحاب النبيّ (ص) عدولاً، بل كان بينهم من يتصف بالفسق: «إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ».

 

٣- يجوز كشف أسرار بعض الناس وبيان حقائقهم، عندما تقتضي مصلحة المجتمع الإسلامي ذلك: «إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ».

 

٤- الفتنة تحتاج إلی أمرين، هما: سعي الفاسق، وتصديق المؤمن: «الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ...فَتَبَيَّنُوا».

 

٥- الأصل في الإسلام هو حسن الظنّ بالناس وتصديقهم في إخباراتهم، وأما عندما يتّضح فسق أحدهم فالتعامل معه يجب أن يتمّ بصورة مختلفة: «إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ...فَتَبَيَّنُوا».

 

٦- لا يتورّع الفاسق عادة عن بثّ الشائعات في المجتمع الإسلامي: «جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ».

 

٧- لا ينسجم الإيمان مع سرعة التصديق وسطحية التفكير: « آمَنُوا...فَتَبَيَّنُوا».

 

٨- لا ينبغي الإهمال وتأخير التبيّن وترك الشائعة حتی تنتشر في المجتمع: «فَتَبَيَّنُوا» (الفاء في اللغة العربية تدلّ علی المسارعة).

 

٩- قد يصدق الفاسق أحياناً؛ ولذلك لا ينبغي تكذيبه قبل التبيّن: «فَتَبَيَّنُوا».

 

١٠- المجتمع الإسلامي معرّض بصورة دائمة لإثارة الفتنة من خلال الشائعات الكاذبة؛ ولذلك لا بدّ من اليقظة الدائمة: «إِن جَاءكُمْ... فَتَبَيَّنُوا».

 

١١- الطريقة الصائبة لإدارة المجتمعات هي التثبّت والتبيّن قبل وقوع الأحداث لا انتظار وقوعها ثم المعالجة بعد ذلك: «فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ».

 

١٢- بيان المصالح المترتبة علی الأحكام من الأمور المساعدة علی الالتزام بها: «فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا» (فالله سبحانه في هذه الآية يكشف لنا عن سبب وجوب التبيّن قبل البناء علی خبر الفاسق).

 

١٣- يسعی الفاسق، من خلال الأخبار الكاذبة التي ينشرها في المجتمع الإسلامي، في سبيل إثارة الفتنة وتخريب العلاقات الاجتماعية بين المسلمين: «أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ».

 

١٤- قد يؤدّي اتّباع الفاسق وتصديقه إلی إصابة جماعة من الناس بكاملها بالسوء، ولا يتقصر الأمر علی فرد واحد: «أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ».

 

١٥- البناء علی الأخبار الضعيفة نوع من التهوّر والجهالة: «بِجَهَالَةٍ».

 

١٦- العمل بالأحكام والتوصيات الإلهية يحمي الإنسان من الإقدام علی عمل ثم الندم علی فعله بعد ذلك: «فَتَبَيَّنُوا...نَادِمِينَ».

 

١٧- الفعل الذي لا تدرس مبرّراته وآثاره قبل الإقدام عليه يفضي إلی الندامة: «نَادِمِينَ»

عناوين التي تدور في هذه الآية

من هو الفاسق، ما مقصود بفتبينوا ،كيف نصبح على ما فعلنا نايمين

 


السابق