على الرغم من تعدد الدراسات والبحوث حول تاريخ العراق الحديث بشكل عام ومدينة الحلة
الحلة بشكلٍ خاص إلا أنه لا توجد دراسة مستفيضة وعلمية موسعة في وثائق عثمانية تعود إلى الأرشيف العثماني الذي يعد ثالث أكبرأرشيف في العالم من حيث ندرة الوثائق التي يمتلكها عن جميع المناطق التي كانت تحت سلطته أيام السلطنة العثمانية ، فقد تضمنت هذه الوثائق العثمانية معلومات غزيرة عن الأحوال العامة في الولايات العثمانية ومنها لواء الحلة قلما يستطيع المرء الحصول عليها في المصادر التاريخية الأخرى . وقد دأب الباحثون و العاملون في حقل الدراسات التاريخية و العثمانية منها على وجه الخصوص على دراستها و تقويم أهميتها العلمية و اعتماد المعلومات التاريخية الواردة فيها في دراساتهم التاريخية منذ عقود. فقد أعتمد عدد ملحوظ من الباحثين في تاريخ الولايات العراقية في العهد العثماني على المعطيات الواردة في السالنامات (1) العثمانية في دراساتهم التي أعدوها خلال العقدين الأخيرين في الجامعات العراقية.
واليوم بحمد الله تعالى وبجهود علمية حثيثة من الباحث الشيخ رؤوف الفتلاوي والدكتور سامي ناظم المنصوري والذي قام بعمل الترجمة لهذه الوثائق.
استطاعا أن يصدران لنا مصنفهما الجديد : (الحلة في وثائق الأرشيف العثماني)
والذي يضم في طياتّه الجانب الإداري فقط من تقسيمات إدارية ومتصرفي لواء الحلة وقائم مقامي وغيرهم من موظفي الإدارة موزعًا ذلك في أربعة أجزاء ، جاء هذا الكتاب في وقتٍ تفتقر فيها المكتبات التأريخية إلى هكذا عناوين لذلك أصبح مصدرًا علميًّا مهمًا في متناول أيادي الباحثين والمتخصصين لما يحتويه من وثائق علمية رصينة لأهم المفاصل الأدرارية في مدينة الحلة ، وأكتسبت هذه الوثائق هذه الميزة العلمية الرصينة لأنها أزالت اكثيراً من الشكوك والأوهام حول كثيرًا من القضايا والشيء بالشيء يذكر قول المؤرخ التركي البروفيسور «أحمد آق كوندز»، مؤلف كتاب «الوثائق تنطق بالحقائق»، [إن الادعاءات الزائفة والأكاذيب الباطلة لا تغني عنا شيئا، ونحن نريد دليلاً وبرهاناً لإبطال هذه الادعاءات المنتشرة، ونعتزم رفع الستائر التي تغلف تاريخنا بحجب الغفلة والجهل. وإذا كان الأجداد السابقون قد غيروا واقعهم بالسّيف والسلاح فإن التغيير في وقتنا الحاضر سوف تكون أدواته الحقائق والوثائق والحضارة الحقيقية. ويضيف «كوندوز»: نحن في هذا الكتاب لا نسير خلف الادعاءات الجوفاء وإنما نعتمد على الوثائق والأدلة. قد تكون المسافة التي قطعناها في تاريخنا قصيرة ولكننا ولجناه قلبا وفكرا وعقلا. ونحن لم نكن نستطيع أن نتخلى عن الفكر والعقل لنهمل الوثائق والأدلة كما يفعل أتباع الأديان الأخرى حيث كانوا يقلدون رهبانهم.
ولهذا السبب فإن المخاوف التي تقف في مواجهة الحقائق والوثائق والأدلة العقلية سوف تتهاوى وتنهار في الألف الثانية الميلادية بفعل سيادة العقل والعلم والتقنية](2). من هنا تأتي الأهمية العلمية للوثائق العثمانية
في نهاية هذا الحديث الشيق لابد لنا من تقديم آيات الشكر والعرفان إلى المؤلف
فضيلة الشيخ الأستاذ : رؤوف عبد العباس الفتلاوي (دام توفيقهُ) وإلى جناب الأستاذ الدكتور : سامي المنصوري على هذا العمل العلمي الأبداعيَّ الرائع والذي حقيقةً سيغني الباحثين والدارسين في دراساتهم وأبحاثهم .
الكاتب : عباس محسن الخفاجيَّ
المعاون الثقافي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ــ سالنامات مركب من الكلمتين الفارسية: سال بمعني سنة، ونامه بمعنى كتاب هي الكتب السنوية التي لخصت لأهم أحداث الدولة العثمانية الإدارية والعسكرية
ينظر: المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية./ تأليف صابان، سهيل
مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية/ الرياض . صفحة 131.
(2) ينظر :كتاب الوثائق تنطق بالحقائق : ص34