بماذا وَصَف الإمام الحُسَين( عليه السلام) .. الدنيا ؟
تُعتَبر الدنيا هي العالم الثاني الذي يَمُرُ به الإنسان بعد عالم الأرحام ، وسُميّ هذا العالم بعالمِ (الإختبار) لأن العبد يكون فيها منذ الحظة الأولى التي ينزل فيها تحت الامتحان ، فمنهم من يجعل الدنيا كُل همه وينسى ربه وهذا وهو الذي يركض وراء ملذاتها وشهواتها فيكون قد خسر بذلك الآخرة وهذا ما حذرنا الله تبارك وتعالى منه في آيات عديدة في القرآن الكريم يذم فيها الدنيا ومن اتبعها ، ومنه قوله : مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (1)وعلى هذا الأساس يكون للإنسان حرية الاختيار بين متاع الدنيا الزائل وبين نعيم الآخرة الدائم ، ومن هذا المُنطلق يصف الإمام الحسين (عليه السلام) الدنيا بخطبته الباركة في صحراء كربلاء بعدة صفات يحذر من خلالها الناس الذين غلب عليهم حب الدنيا وباعوا آخرتهم بالثمن البخس ، حيث قال :
(الحَمْدُ لله الّذي خَلَقَ الدُّنْيا فَجَعَلَها دارَ فَناءٍ وَزَوالٍ، مُتَصرِّفَةً بِأَهْلِها حالاً بَعْدَ حالٍ، فَالْمَغْرُورْ مَنْ غَرَّتْهُ، والشَّقٍيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ، فَلا تَغُرَّنَّكُمْ هذِهِ الدُّنْيا، فَإنَّها تَقْطَعُ رَجاءَ مَنْ رَكَنَ إلَيْها، وَتُخَيِّبُ طَمَعَ مَنْ طَمِعَ فيها) ، فأولَ وصفٍ يصفُ الدنيا به هو (الفناء)، والفناء هو: انتهاء الشيء ونفاده فلا دوام ولا أستقرار في عالم الدنيا .
أمّا الوصف الثاني : (التَصرف ) وهو عكس الثبات فإن الدنيا تأخذ بالإنسان وتنقله من حالٍ إلى حال فإن كان في يسر فعليه حمد الله وثناءه وإن كان في عسر فعليه بالصبر والدعاء لأن هذا الحال لا يدوم مع الدنيا ، كذلك وصف الإمام الدنيا (بالغرور) : لغَرُورُ : لغةً : مَا يَخْدَعُ وَيَغَرُّ الإِنْسَانَ أَوْ يُسَبِّبُ انْخِدَاعَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ شَهْوَةٍ (2) وهذا خير وصف يصف به الإمام أولئك الذين اغتروا بالدنيا وتركوا الآخرة ولم يسمعون النصيحة التي قدمها لهم الإمام بل عملوا على العكس ونصروا الظالم والمفتري (يزيد) لعنه الله ، ووقفوا معه لا لشيءٍ إلا لحبهم للدنيا والمال وهذا هو سبب هلاكهم ، أما الوصف الآخر للدنيا فهو : (الفتنة): مأخوذة من و (الفِتَن): بكسر الفاء وفتح التاء، جمع فتنة، وفي معناها أقوال كثيرة منها:
(1)ـ الابتلاء والامتحان: قال الأزهري: «جِمَاعُ معنى الفِتْنَةِ في كلام العرب الابتلاء والامتحان وأصلها مأخوذٌ من قولك: فَتَنْتُ الفِضّةَ والذَّهَبَ، إذا أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجَيِّد " (3)
2ـ الإزالة والصرف عن الشيء: كما في قوله تعالى: وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ )(4) أي: ليزيلونك، ويُقال: فَتَنْتُ الرجلَ عن رأيه أيْ أزلتُه عما كان عليه.
وبهذه الصفات أسدل الستار على الوصف الحقيقي لعالم الدنيا فقد أعطانا الإمام الشهيد وصفًا دقيقًا لهذا العالم ، فالذي يأخذ بنصائحه ينجوا والذي يتركها يكون قد خسر رضا ربه ، وخير دليل على ذلك أولئك الذين أشتروا رضا المخلوق بسخط الخالق وباعوا آخرتهم بدنياهم وقاتلوا سبط رسول الله وقتلوه فكان جزائهم جهنم خالدين فيها وبئس المصير ، أمَا الذين لم يغتروا بالدنيا وشهواتها فقد نالوا رضا الله عز وجلّ فهم في جنان الله متنعمون. جعلنا الله وإياكم ممن يسمعون قول الحق فيتبعونهُ .
الأمانة الخاصة لمزار العلوية الطاهرة شريفة بنت الأمام الحسن المجتبى(عليهما السلام)
الكاتب : عباس محسن الخفاجيَّ
قسم الإعلام
18/3/2017
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الشورى :20
(2) معجم المعاني الجامع :ص22
(3) تهذيب اللغة : ج5/ص311
(4) سورة الإسراء : 73.