قائمة الأقسام
  • إمرأةٌ أنجَبت قَمَرٌ وَثلاثة نُجوم غَيرت بِهم مَجرى التأريخ
  • تاريخ الإضافة:14/03/2017
  • المشاهدات:431
  • تم الاضافة بواسطة:ادارة الموقع

إمرأةٌ أنجَبت قَمَرٌ وَثلاثة نُجوم غَيرت بِهم مَجرى التأريخ

إمرأةٌ أنجَبت قَمَرٌ وَثلاثة نُجوم غَيرت بِهم مَجرى التأريخ

تَمُّرُ علينا ذكرى أليمة على قلوب جميع المؤمنين والمؤمنات في جميع أصقاع الأرض إلا وهي ذكرى وفاة السيدة الجليلة المواسية لبضعة المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا وهي السيدة أم البنين (سلام الله عليها وعلى روحها الزكية وعلى بنيها الشهداء المطهرون ) ففي مثل هذا اليوم [الثالث عشر من جمادى الآخر] توفت السيدة الطاهرة أم البنين فاطمة بنت حزام زوج أمير المؤمنين الإمام علي (سلام الله عليه)، ولابد لنا هنا أن نقف على حياة هذه السيدة الطاهرة لكي يعرف التأريخ مدى قداستها وعفتها وتضحيتها في سبيل الدفاع عن العقيدة والدين الحنيف بعد ما تعرض لهجمة أموية أرادت أن تمحو معالم الدين فوقفت مع إمام زمانها السبط الشهيد الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ضحّـت بأغلى ما تملك وهم أولادها الأطهار (عليهم السلام) فداءاً للدين وللعقيدة .
أسمها : وهي فاطمة بنت حزام الكلابي العامريَّ، وكنيت بأم البنين لأن لها أربعة أبناء كلهم أستشهدوا في كربلاء مع الحسين سيد الشهداء (عليه السلام)، وهي من قبيلة بني كلاب من العرب الاقحاح من بني عامر بن صعصعة، شهيرة بالشجاعة والفروسية، كانت ولادتها على الارجح في السنة الخامسة للهجرة الشريفة، تزوجت من امير المؤمنين علي عليه السلام بعد السنة الرابعة والعشرين من الهجرة الشريفة وذلك لأن الأمير عليه السلام تزوجها بعد إمامة بنت زينب ربيبة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله.

اختيار وانتقاء من لدن سيد الأوصياء:
روي أن مولى الموحدين الإمام علي (عليه السلام) قال لأخيه عقيل (عليه السلام) وكان نسَّابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم: أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً فقال له تزوج أم البنين الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها فتزوجها.

كيفية خطبتها :
مضى عقيل بن أبي طالب في مهمته بأمر أخيه أمير المؤمنين عليه السلام حتى ورد بيت حزام بن خالد الكلابي ضيفا على فراش كرامته وكان خارج المدينة، فرحب به ونحر له النحائر وأكرم مثواه غاية الأكرام، وكانت عادة العرب لا يسألون الضيف عن حاجته إلا بعد ثلاثة أيام الضيافة.
فلما انقضت وجاء اليوم الرابع جاء حزام إلى عقيل بن أبي طالب وجلس إلى جانبه وخاطبه بكل تأدب وتبجيل قائلاً هل من حاجة فتقضى أو ملمة فتمضى من مال أو رجال فنحن رهن أشارتكم فقال له عقيل جئتك بالشرف الشامخ والمجد الباذخ، فقال حزام وما هو يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وآله قال جئتك خاطباً قال من لمن.
قال عقيل أخطب ابنتك الحرة فاطمة أم البنين إلى يعسوب الدين والحق اليقين وقائد الغر المحجَّلين وسيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
فلما سمع حزام هش وبش ثم قال بخ بخ بهذا النسب الشريف والحسب المنيف لنا الشرف الرفيع والمجد المنيع بمصاهرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وبطل الإسلام وقاسم الجنة والنار، ولكن يا عقيل أنت جد عليم ببيت سيدي ومولاي، أنه مهبط الوحي ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وأن مثل أمير المؤمنين ينبغي أن تكون له امرأة ذات معرفة عن علم وآداب في ثقافة وعقل مع أخلاق حسنة حتى تكون صالحة لشأنه العالي ومقامه السامي، وأن ابنتنا من أهل القرى والبادية وأهل البادية غير أهل المدينة ولعلها غير صالحة لأمير المؤمنين عليه السلام.
فقال عقيل يا حزام أن أخي يعلم بكل ما قلته وأنه يرغب في التزويج بها فقال حزام إذاً تمهل حتى أسأل عنها أمها هل تصلح لأمير المؤمنين أم لا، فإن النساء أعلم ببناتهن من الرجال في الأخلاق والآداب.
الرؤيا المباركة والبشارة العظيمة :
قام حزام من مجلسه وجاء ليسأل، فلما قرب من المنزل وإذا هو يرى فاطمة جالسة بين يدي أمها وهي تمشط رأسها وفاطمة تقول: يا أماه أني رأيت في منامي رؤيا البارحة، فقالت لها أمها خيراً رأيت يا بنية قصيها علي:
فقال حزام في نفسه انتظر حتى أسمع ماذا رأت في منامها، فوقف في مكانه بحيث يسمع الصوت ولا يراه أحد.
فقالت فاطمة لأمها أني رأيت فيما يرى النائم كأني جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة وأنهار جارية وكانت السماء صاحية والقمر مشرقاً والنجوم ساطعة وأنا أُفكر في عظمة خلق الله من سماء مرفوعة بغير عمد وقمر منير وكواكب زاهرة، فبينما كنت في هذا التفكير ونحوه وإذا أرى كأن القمر قد انقض من كبد السماء ووقع في حجري وهو يتلألأ نوراً يغشي الأبصار، فعجبت من ذلك وإذا بثلاثة نجوم زواهرٍ قد وقعوا أيضاً في حجري وقد أغشى نورهم بصري فتحيرت في أمري مما رأيت وإذا بهاتف قد هتف بي أسمع منه الصوت ولا أرى الشخص وهو يقول:
بشـراك فاطمة بالسادة الغـرر ثــلاثة أنجم والـزاهر القــمـر
أبــوهم سيد في الخلـق قاطبة بعد الرســول كذا قد جاء في الخبر
فلما سمعت ذلك ذهلت وانتبهت فزعة مرعوبة، هذه رؤياي يا أماه فما تأويلها؟

فقالت لها أمها يا بنية ان صدقت رؤياك فانك تتزوجين برجل جليل القدر رفيع الشأن عظيم المنزلة عند الله مطاع في عشيرته، وترزقين منه أربعة أولاد يكون أولهم وجهه كأنه القمر وثلاثة كالنجوم الزواهر.
فلما سمع حزام ذلك أقبل عليهما وهو مبتسم ويقول يا بنية قد صدقت رؤياك فقالت الام وكيف علمت ذلك قال هذا عقيل بن أبي طالب جاء يخطب ابنتك قالت لمن قال لفلال الكتائب ومظهر العجايب وسهم الله الصائب وفارس المشارق والمغارب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
قالت وما الذي قلت له قال أمهلته حتى أسألك عن ابنتك، هل تجدين فيها كفاءة بأن تكون زوجة لأمير المؤمنين واعلمي أن بيته بيت الوحي والنبوة والعلم والآداب والحكمة فإن تجديها أهلاً لأن تكون خادمة في هذا البيت وإلا فلا.
فقالت يا حزام اني والله قد ربيتها وأحسنت تربيتها وأرجو الله العلي القدير أن يسعد جدها وأن تكون صالحة لخدمة سيدي ومولاي أمير المؤمنين فزوجها .
فلما سمع حزام سر بذلك سروراً عظيماً وأقبل إلى عقيل وهو مستبشر فقال له عقيل ما ورائك قال كل الخير إن شاء الله قد رضينا بأن تكون ابنتنا خادمة لأمير المؤمنين عليه السلام فقال عقيل لا تقل خادمة بل قل زوجة.
ثم قال عقيل يا حزام هل عندكم اقتراح في الصداق قال حزام هي هبة منا إلى ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عقيل بل ممهورة.
أما المهر فهو ما سنّه رسول الله صلى الله عليه وآله في بناته وزوجاته خمسمائة درهم، وأما الهدية فلكم ما يرضيكم ويزيد فقال حزام أعلم يا عقيل إنا لا نطمع في كثرة المال ولكن نطمع في شرف الرجال ثم نهض حزام من وقته وساعته ودخل على زوجته ثمامة بنت سهيل وهو يقول: البشارة فإنه قد سعد جدك وعلا مجدك وارتفع ذكرك فقد قبل عقيل بن أبي طالب ابنتك زوجة لأخيه أمير المؤمنين صاحب الأنوار والهيبة والوقار، فلما سمعت ذلك منه خرت ساجدة لله شكراً وقالت الحمد لله الذي جمع شملنا بمحمد المصطفى صلى الله عليه وآله وعلي المرتضى عليه السلام ثم أقبلت على ابنتها فاطمة تهنئها وتقبلها.

تجهيز للزفاف:
فلما وصلت الهدايا والتحف والصداق نهضت ثمامة والدة أم البنين، ودعت جاريتها وقالت لها أمضي إلى داية ابنتي وقولي لها تأتي مسرعة، فمضت وما أسرع أن رجعت ومعها الداية، فقالت لها قومي وخذي ابنتي وأصلحي شأنها فإنا نريد تزويجها، قالت ومن ذا يكون بعلها قالت أمير المؤمنين وسيد الوصيين وأبو الريحانتين والإمام الهمام علي بن أبي طالب عليه السلام ففرحت الداية فرحاً شديداً وقالت الحمد لله رب العالمين فقد سعد حظها وعلا قدرها.
ثم قامت وهنأت فاطمة بالسعادة الأبدية وأصلحت شأنها كما ينبغي وألبسوها الثياب الفاخرة وزينوها بالحلي والحلل.
ثم أمر حزام بإعداد خمسة هوادج مزينة بأحسن الزينة واركبوا فاطمة أم البنين وأمها في هودج، وقد غشوه بالحرير والأبريسم والنساء من بني عمومتها في بقية الهوادج من خلفها وركبت عشرة فوارس من بني كلاب يحفون بالهوادج وهم مسلحون بالسيوف الهندية والرماح الخطية وجاؤا جميعاً إلى المدينة، فلما وصلوا خرجت في استقبالهم النساء والرجال من بني هاشم وهم في فرح وسرور فأمر أمير المؤمنين عليه السلام أن تعمل لهم وليمة عظيمة تليق بشأنه وبشأنهم وأكرمهم غاية الإكرام ومكثوا ثلاثة أيام في ضيافة أبي الحسن عليه السلام.

أولادها:
لها من الاولاد كما ذكرنا أربعة أبطال العباس «أبو الفضل» وعبد الله، وجعفر، وعثمان.. استشهدوا جميعاً تحت راية الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وكانوا آخر من قتل، وآخرهم أفضلهم وهو أكبرهم أيضاً العباس عليه السلام حامل لواء أخيه الحسين عليه السلام، وساقي عطاشى كربلاء، وهو من الشهرة ماهو معروف مُغني عن ذكره.

بعد واقعة الطف ورجوع الآل إلى المدينة:
ولما رجعن نساء أهل البيت عليهم السلام من كربلاء إلى المدينة أقمن العزاء في بيتها, ولم تكن قد حضرت كربلاء لكنّ حزنها لم ينقطع على الحسين وإخوته عليهم السلام وكانت تذهب كل يوم إلى البقيع ترثيهم بتفجّع حتى ان مروان على قساوة قلبه كان يبكي لرثائها, وكانت تخاطب النساء اللاتي ينادينها أم البنين: (لا تدعونّي ويكِ أم البنين ...) ولم يخبأ أنينها حتى فارقت الدنيا بلوعة.
عن أبي جعفر عليه السلام: «... وكانت أم البنين أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها, فيجتمع الناس إليها يسمعون منها, فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك, فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي».
ويستفاد من إيمانها وتشيعها من أن بشر بن جلذم بعد وروده المدينة نعى إليها الأربعة من أولادها قالت: قطعت نياط قلبي, أولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبدالله الحسين عليه السلام.

وفاتها رضوان الله عليها:

الثالث عشر من جمادى الآخرة تاريخ وفاة ام البنين ـ وكما تقدم ـ ولكن السؤال المتبادر هنا هل قتلت ام لا؟ وبخاصة وان مؤامرات الاعداء الذين لايؤمنون بالله واليوم الآخر تنال الكثير من الأشياء والأشخاص .. ومن هنا لا نعلم شيئاً عن سبب وفاة السيدة ام البنين، مع العلم بأنها كانت تفضح بني أمية الذين قتلوا الحسين عليه السلام...وقد اسس معاوية جند العسل وقتل به مالك الاشتر رضوان الله عليه وكثير من الأبرياء بالسم حتى صار عادة فيهم وفي العباسيين والعثمانيين من بعدهم.
فقد ورد في التاريخ ان هارون قتل السيد الإدريسي به والمأمون العباسي قتل به السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام.

الفضل في زيارة قبرها رضوان الله عليها:
زيارة قبر السيدة ام البنين لها اجر وثواب عظيم فان زيارة قبور المؤمنين والمؤمنات لها اجر كبير، وقد ورد التأكيد عليها في الروايات الشريفة، فكيف بزيارة مثل قبرها عليها السلام.
قبرها المنور في المدينة المنورة قي البقيع، ومن الواضح ان تراب قبرها له اثر خاص طبعاً لا كأثر تراب قبور الائمة المعصومين والأنبياء عليهم السلام، فان مجرد كونه تراباً لقبرها له حيثية رفيعة كما هو واضح.
فالسلام عليها يوم ولدت والسلام عليها يوم أنجبت الأنوار البهية والسلام عليها يوم صبرت في جنب الله على مصيبتها والسلام عليها يوم إلتحقت روحها الزكية إلى الرفيق الأعلى والسلام عليها يوم تبعث حيا ورحمة الله وبركاته .

الأمانة الخاصة لمزار العلوية الطاهرة شريفة بنت الإمام الحسن المجتبى(عليهما السلام)
الكاتب : عباس محسن الخفاجيَّ
قسم الإعلام
12/3/2017


التالي السابق