بُقعَةٌ حَبَاها الله بالقَداسة وَجُعلت مَوضِعًا لاستجابة الدعاءُ
مِنْ النعم التي أَنعمَ الله جلَّ ثناؤهُ عَلينا في أرض الحلة الفيحاء هي نِعمة وَجود قَبر الزَكية الطاهرة المظلومة الأسيرة المَسبيَّة إحدى ضَحايا فاجعة الطف الأليمة ألّا وهي السيدة العلوية شريفة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليهما السلام) ، ففي صباح كُلّ يوم يَتهافتُ جُمُوع الزائرين المؤمنين إلى قبرها الشريف تَهافت الفراش على حقلِ الزهور ، فقد جَعل الله تبارك أسمُهُ قبرها مَوضِعاً لإستجابة الدُعاء وقضاء الحوائج فما أتاها ذو قَلبٍ مهموم ودعا الله عند قبرها إلا وفرج الله تعالى همه وغمه
كيف لا وهي بنت كريم آل محمد واليوم نحن بأمس الحاجة إلى الدعاء ومن مضامين إستجابة الدعاء هو التوسل إلى الله بأهل البيت (عليهم السلام) لأنهم هم الوسيلة المقبولة عنده فهداية الله تعالى تصل الى الانسان عن طريق الأسباب والوسائل التي جعلها الله سبحانه طريقاً لها ، وإلى هذا الأصلُ القويم يُشير الإمامُ الصادق (ع) في كلامهِ ويقول : ( أبى الله أن تجري الأشياء إلاّ بأسباب فجعل لكلِ شيء سبباً ، وجعل لكل سبب شرحاً)(1)
فعلى ضوء هذا الاساس فالعالم المعنوي يكون على غرار العالم المادي، فللأسباب سيادة وتأثير بإذنه سبحانه، وقد شاء الله أن يكون لها دور في كلتا النشأتين ، فلا غرور لمن يطلب رضا الله أن يتمسك بالوسيلة ، قال الله سبحانه : ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون )) (2)فالله سبحانه حثّنا للتقرب إليه على التمسك بالوسائل وابتغائها ، والآية دعوة عامة لا تختص بسبب دون سبب ، بل تأمر بالتمسك بكل وسيلة توجب التقرب إليه سبحانه، وعندئذ يجب علينا التتبّع في الكتاب والسنّة ، حتى نقف على الوسائل المقرّبة إليه سبحانه، وهذا ممّا لا يعلم إلاّ من جانب الوحي ، والتنصيص عليه في الشريعة ، ولولا ورود النص لكان تسمية شيء بأنّه سبب للتقرّب بدعة في الدين ، لأنّه من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين .
ونحن إذا رجعنا إلى الشريعة نقف على نوعين من الأسباب المقرّبة إلى الله سبحانه:
النوع الأوّل : الفرائض والنوافل التي ندب إليها الكتاب والسنّة ، ومنها التقوى ، والجهاد الواردين في الآية ، وإليه يشير عليّ أمير المؤمنين (ع) ويقول : (إنّ أفضل ما توسل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى ، الإيمان به ، وبرسوله ، والجهاد في سبيله فإنّه ذروة الإسلام ، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة ، وإقام الصلاة فإنّها الملّة ، وإيتاء الزكاة فإنّها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان فإنّه جفنّة من العقاب ، وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ، ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم فإنّها مثراة في المال ، ومنسأة في الأجل ، وصدقة السرّ فإنّها تكفّر الخطيئة، وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السوء وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان)(3)
غير إنّ مَصاديق هذا النمط من الوسيلة لا تنحصر في ما جاء في الآية أو في تلك الخطبة بل هي من أبرزها .
النوع الثاني : وسائل ورد ذكرها في الكتاب والسنّة الكريمة ، وحثّ عليها الرسول(ص) وتوسّل بها الصحابة والتابعون وكلّها توجب التقرّب إلى الله سبحانه .
ومن تلك الوسائل المقرّبة هم أئمة أهل البيت (عليهم أزكى وأطيب السلام(
فقد ورد في بعض الروايات ان المراد من الوسيلة في قوله تعالى (( وابتغوا اليه الوسيلة ))(4) هم أهل البيت (عليهم السلام) منها :
1 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الأئمة من ولد الحسين (عليه السلام) ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى وهم الوسيلة الى الله تعالى) .
2 ـ قال أمير البيان وسر الفصاحة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله تعالى: (( وابتغوا اليه الوسيلة )): (أنا وسيلته) .
3 ـ ورد في زيارة الجامعة الكبيرة المنسوبة الى الامام الهادي (صلوات الله عليه) : (مستشفع الى الله عز وجل بكم ومتقرّب بكم اليه ومقدّمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كلّ احوالي(
4 ـ ورد في دعاء التوسل عن الائمة (عليهم أزكى السلام) : (يا سادتي وموالي اني توجهت بكم أئمتي وعدّتي ليوم فقري وحاجتي الى الله وتوسلت بكم الى الله واستشفعت بكم الى الله (
5 ـ ورد في دعاء الندبة : (وجعلتهم الذريعة اليك والوسيلة الى رضوانك(
هذا وكانت سيرة أصحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يتوسلون بدعائهم ، لان التوسل بدعاء الامام لأجل أنّه دعاء روح طاهرة ، ونفس كريمة ، وشخصية مثالية.
ففي الحقيقة ليس الدعاء بما هو دعاء وسيلة ، وإنّما الوسيلة هي الدعاء النابع عن تلك الشخصية الإلهية التي كرّمها الله وعظّمها ورفع مقامها وذكرها وقال : (( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ))(5) (فهذا هو علي بن محمد الحجال كتب الى أبي الحسن الامام الهادي (عليه السلام) وجاء في كتابه : (( أصابتني علّة في رجلي ولا أقدر على النهوض والقيام بما يجب فإن رأيت أن تدعو الله أن
يكشف علّتي ويعينني على القيام بما يجب عليّ وأداء الأمانة في ذلك ...))(6)
ونحن اليوم بجوار قبر بنت كريم أهل البيت (عليهما السلام) نتوسل بها إلى الله تعالى أن يُشافي ويُعافيَّ كُلَ مريض بحق مريض كربلاء زين العابدين (عليه السلام) اللهم أنصر حشدنا الشعبي المقدس وقواتنا الأمنية على خوارج العصر بحق محمد وآل محمد .
الأمانة الخاصة لمزار العلوية الطاهرة شريفة بنت الإمام الحسن المجتبى(عليهما السلام)
الكاتب : عباس محسن الخفاجيَّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) نهج البلاغة ، الخطبة: 110.
(6) كشف الغمة : 3 / 251 .
web : www.mazarsharefah.org
telegram: t.me/mazarsharifaa