قائمة الأقسام

بسم الله الرحمن الرحيم
لا يَخفى على أحدٍ من المؤمنين إنَّ فَضيلة الجهاد في سبيل الله تعالى من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وحفظ الأعراض والمقدسات ، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين، وهو فرض كفاية على المؤمنين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ، ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الفرقان المبين قوله تبارك و تعالى: ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )(1)
ففي هذه الآيات الكريمات يأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن ينفروا إلى الجهاد خفافاً وثقالاً، أي شيباً وشباباً، وأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، يخبرهم عز وجل بأن ذلك خير لهم في الدنيا والآخرة، ثم يبين سبحانه حال المنافقين وتثاقلهم عن الجهاد وسوء نيتهم، وأن ذلك هلاك لهم بقوله عز وجل: لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ (2)الآية. ثم يعاتب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عتاباً لطيفاً على إذنه لمن طلب التخلف عن الجهاد بقوله سبحانه( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) ويبين عز وجل أن في عدم الإذن لهم تبيناً للصادقين وفضيحة للكاذبين، ثم يذكر عز وجل أن المؤمن بالله واليوم الآخر لا يستأذن في ترك الجهاد بغير عذر شرعي؛ لأن إيمانه الصادق بالله واليوم الآخر يمنعه من ذلك، ويحفزه إلى المبادرة إلى الجهاد والنفير مع أهله، ثم يذكر سبحانه أن الذي يستأذن في ترك الجهاد هو عادم الإيمان بالله واليوم الآخر، المرتاب فيما جاء به الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وفي ذلك أعظم حث وأبلغ تحريض على الجهاد في سبيل الله، والتنفير من التخلف عنه.
وقال تعالى في فضل المجاهدين (: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(3).
أما ما ورد في الحديث النبوي الشريف :
روي عن سهل بن سعد (رضوان الله تعالى عليه) قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم: ([رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها](4)
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله تعالى عليه) عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (([ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك ] (5) متفق عليه.
وبعد هذه المصاديق و البينات لا يخفى على أحد ممن قرأ التأريخ الحديث بأنصافٍ أن الحوزة العلمية كانت وما زالت وستبقى صمام الأمان لحفظ الأوطان والمقدسات وصيانة الأعراض فالقارىء للتأريخ يعم أنه لم تمض سنتان على انتفاضة النجف حتى انفجرت ثورة العشرين الكبرى 1339هـ، 1920م. إنّ ثورة العشرين التي انفجرت في وجه الاحتلال الإنكليزي بتوجيه المرجعية الدينية عندما حاولت السلطات البريطانية تعيين حاكم بريطاني على العراق بشكل ثابت ودائم على أن يكون مستشاروه من العراقيين، فأطلق المرجع الديني الاعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي فتواه (( ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب أو يختار غير المسلم للإمارة على المسلمين )) ولما تمادى الإنكليز في غيّهم ونهبهم لثروات العراق أصدر سماحته فتوى ثانية أوجب فيها على كل العراقيين استعادة ثرواتهم، وهذا نص فتواه: ((مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم ضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز قبول مطالبهم )). وسار السيد الأصفهاني على خطى سلفه في شحذ العزيمة وثبات الموقف على القتال والجهاد في سبيل الاستقلال فحمل السلاح في ثورة العشرين في العراق، وذهب مع المجاهدين إلى ساحة المعركة، ثم عاد إلى النجف الأشرف بإلحاح من زعماء الثوار . ومع تصاعد الثورة التي أخذت تتخطى مناطق الجنوب العراقي . أما في الوقت الحاضر فكان للحوزة العلمية الدور الكبير في حفظ الأعراض والمقدسات وصيانة الحرمات من خلال التوجيهات الرشيدة والسديدة والتي كان آخرها الفتوى المباركة للمرجع الديني الأعلى آية الهر العظمى سماحة السَيد علي الحسينيَّ السَيستانيَّ (دام الهع ظلهُ الوارف) والتي أطلقت في (13 حزيران 2014)، القادرين على حمل السلاح ومقاتلة "الإرهابيين" إلى التطوع للانخراط في صفوف القوات الأمنية، عقب سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة الموصل ومساحات واسعة من صلاح الدين وديالى، فيما طالبت بتكريم الضباط الذي "ابلوا بلاءً حسنا". والتي بفضلها حفظت الأعراض والمقدسات وقد قدمت الحوزة خيرة طلبتها للأنخراط في صفوف المقاتلين وقد أستشهد العديد من فضلائها . فرحم الله تعالى جميع الشهداء وأسكنهم جناته مع الإمام الحسين(عليه السلام ) وأصحابه .
الأمانة الخاصة لمرقد العلوية شريفة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليهما السلام)
الكاتب عباس محسن الخفاجي
المعاون الثقافي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة : 41.
(2) سورة التوبة : 42.
(3) سورة التوبة : 111.
(4) صحيح البخاري : رقم الحديث :4532/ ج6/ص343
(5) مسند أحمد بن حنبل : رقم الحديث 675/ ج3/ صص212

التالي السابق